المكان لا يقف على أحد” – عبارة تتردد كثيرًا وكأنها حقيقة ثابتة لا تحتمل الجدل. لكنها، عند التمعن، تكشف عن وجهٍ مضلل يتجاهل أهمية الأفراد الذين يرتبطون بالمكان ارتباطًا يتجاوز حدود العمل، ويرون فيه جزءًا من حياتهم وطموحاتهم.
الأماكن ليست مجرد مساحات مادية أو أنظمة تشغيلية؛ إنها كيان حي يتغذى على الجهود المشتركة، والرؤية الواضحة، والارتباط الحقيقي. هناك من يعتبرون المكان بيتهم، يرون في نجاحه تحديًا شخصيًا، ويمنحونه وقتهم وجهدهم ليحقق أهدافه. هؤلاء لا يؤدون مهامًا وحسب، بل يضعون أساسًا قويًا لهويته، ويبنون علاقات وثيقة مع كل من يتعامل مع المكان، مما يجعله أكثر قوة واستقرارًا.
في المقابل، هناك من ينظرون إلى المكان كمجرد وظيفة؛ وسيلة لتحقيق دخل دون ارتباط حقيقي بما يقدمه المكان أو بما يمثله. هؤلاء قد يؤدون مهامهم بكفاءة، لكنهم غالبًا ما يفتقرون إلى الشغف والإبداع الذي يجعل المكان يتجاوز التوقعات.
المكان قد يستمر في غياب أفراده الأوفياء، لكنه يفقد شيئًا من روحه. الاستمرارية لا تعني بالضرورة النجاح، بل قد تكون مجرد بقاء شكلي يخلو من التميز. النجاح الحقيقي يتطلب أفرادًا يؤمنون بالمكان، ويضيفون إليه قيمة تتجاوز حدود أدوارهم الوظيفية.
المكان ليس مجرد نظام يمكن تشغيله واستبدال أفراده دون تأثير. إنه كيان حي يقف على الخبرات المتراكمة، والجهود المستمرة، والعلاقات التي تربطه بالعاملين فيه. فالعبارة “المكان لا يقف على أحد” ليست سوى وهم يخفي الحقيقة: المكان يقف على أكتاف من جعلوه ما هو عليه، ويزدهر بوجود من يؤمنون به ويمنحونه من وقتهم وجهدهم.
