يمر الإنسان بمراحل مختلفة في حياته، تبدأ بالطفولة حيث يكون ضعيفًا يحتاج إلى الرعاية، ثم يكبر ويشتد عوده حتى يصل إلى مرحلة القوة والنضج، لكنه لا يلبث أن يعود إلى الضعف مرة أخرى عندما يتقدم به العمر. في هذه المرحلة، يصبح الوالدان في حاجة إلى من يعينهما، تمامًا كما كانا سندًا لأبنائهما في الصغر. وهنا يتجلى أعظم اختبار للأبناء: هل سيردون الجميل أم سينسون فضل من ضحى لأجلهم؟ برّ الوالدين في الشيخوخة
الوالدان أول اهتماماتك، فلا تنشغل عنهما
في زحام الحياة وكثرة المسؤوليات، قد ينسى بعض الأبناء أن والديهم هم الأولوية الأولى، فينشغلون بأعمالهم وحياتهم الخاصة، ويعتقدون أن مجرد تقديم المال أو المساعدات المادية يكفي. لكن الحقيقة أن الوالدين بحاجة إلى شيء أثمن من ذلك: وقتك واهتمامك.
الوقت الذي تقضيه مع والديك هو أعظم هدية يمكن أن تقدمها لهما، فالكلمات الطيبة، والجلوس معهما، وسماع حديثهما حتى لو تكرر، كلها أمور تمنحهما شعورًا بالحب والطمأنينة. لا تنتظر حتى يفوت الأوان، فكم من شخص ندم لأنه لم يقضِ وقتًا كافيًا مع والديه قبل رحيلهما.
بر الوالدين يفتح لك كل الأبواب
بر الوالدين ليس مجرد واجب ديني أو أخلاقي، بل هو سر من أسرار النجاح في الحياة. فحين يكون والداك راضيين عنك، فإن البركة تحل في مالك وصحتك وأولادك، وتُفتح لك أبواب التوفيق والرزق. وقد قال الله تعالى:
﴿وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُواْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٰلِدَيۡنِ إِحۡسَٰنًا إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡكِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّۖ وَلَا تَنۡهَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلٗا كَرِيمٗاۖ وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا﴾ (الإسراء: 23-24).
من يبر والديه يجد الخير في حياته، وتُيسر له الأمور، ويشعر براحة نفسية عظيمة. أما من يعقهما، فإنه يغلق على نفسه أبواب الرحمة، ويجد صعوبة في كل شيء، حتى لو امتلك المال والمكانة.
غضب الوالدين يحجب عنك الرزق والرحمة
كما أن بر الوالدين يجلب الخير، فإن عقوقهما قد يكون سببًا في زوال النعم وتعسير الأمور. فكم من شخص وجد حياته مليئة بالمشاكل والضيق لأنه أهمل والديه أو قصر في حقهما. فقد جاء في الحديث الشريف:
“كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات” (رواه الحاكم).
لذلك، احذر أن يكون والداك غاضبين منك، فغضبهما قد يحجب عنك التوفيق والسعادة، وقد يحرمك من البركة في رزقك وصحتك وأبنائك.
الخاتمة: كن سندًا لوالديك كما كانوا سندًا لك
والداك هما مفتاحك إلى الجنة، فلا تفرط في برّهما، ولا تجعل أي شيء في الحياة يشغلك عنهما. امنحهما من وقتك، استمع إليهما، أسعدهما كما أسعداك في صغرك، وكن أنت سببًا في ابتسامتهما، فدعاؤهما لك قد يكون سببًا في نجاحك وسعادتك في الدنيا والآخرة.
لا تنتظر حتى تفقدهما لتشعر بقيمتهما، بل كن بجانبهما الآن، قبل أن يأتي يوم تبحث فيه عن نظرة حب منهما فلا تجدها.

برّ الوالدين في الشيخوخة – برّ الوالدين في الشيخوخة