2- المفهوم السيكولوجي
قبل الحديث عن المفهوم السيكولوجى للشخصية ، دعنا نعرف معنى الشخصية .. يرجع أصل مصطلح الشخصية La Personnalite إلى الكلمة اللاتينية PERSONA ومعناها الوجه المستعار أو القناع الذي يضعه الممثل على وجهه ، والغرض من ذلك هو تشخيص خلق الشخص ، أي طباعه ومزاجه الخلقي .
ويحمل مفهوم الشخصية ، في علم النفس ، معان متعددة ، فهو مفهوم معقد متغير . ولهذا أختلفت وجهات نظر العلماء الذين يبحثون موضوع الشخصية ، وتنوعت تفسيراتهم ، وتباينت طرق دراستهم لها .
فالشخصية هي نموذج حياة الفرد ، هي مبدأ نستخلصه من ملاحظة أحداث سلوكه المتكررة . والشخصية هي كل متكامل ، تتضمن قدرات الفرد ، وميوله ، وإتجاهاته ، وإنفعالاته وإرادته .
فمعرفة شخصية الفرد يعني معرفة نماذج سلوكه ، وتصرفاته المميزة له ، والتي تمكننا من التنبؤ بإستجاباته .
وتهتم بعض التعاريف بوصف الإستعدادات الداخلية والعوامل الخارجية التي تتفاعل مع بعضها البعض فتكوّن الشخصية . ومن التعاريف ما يؤكد أن الشخصية هي عبارة عن إنسجام وتآلف داخلي للأجهزة النفسية للفرد . والبعض ينظر إلى الشخصية من ناحية نمط التوافق الفردي المميز ، من حيث أن الذي يحدد الشخصية هي تلك الأفعال التي يقوم بها الفرد لكي تساعده على المحافظة على توازنه وتكيفه مع الظروف التي تحيط به . أو أن الشخصية هي تلك الأنماط السلوكية المختلفة التي يستجيب بها الفرد للمثيرات التي تقع عليه ، سواء كانت هذه الأنماط تعبيرات أو إشارات أو أساليب إنفعالية أو طرق التفكير ، وغيرها من الإستجابات المختلفة . وحجة ذلك ، أن الشخصية كنمط لسوكي للفرد ، يسمح لنا بدراستها ، وتحليلها ، وتصنيفها وبالتالي تحديدها .
رأى فريق من العلماء
وقد رأي فريق آخر من العلماء ، أن الشخصية لا يمكن تحديدها عن طريق ما يقوم به الفرد أو ما يفعله ، وإنما على أساس أنها حالة من الحالات الداخلية يمكن أن نستنتجها ، وهي أساس العالم الداخلي للفرد، تنعكس في سلوكه اليومي . وسبب ذلك ، “أن الشخصية عبارة عن التنظيم الداخلي للدوافع والإنفعالات والإدراك والتذكر ، التي تحدد أسلوب الفرد في سلوكه” .
وهذا يعني ، أن المتغير الذي يتوسط المؤثرات والإستجابات هو عبارة عن تنظيم ديناميكي من مختلف الإستعدادات للفرد ، وأن هذا التنظيم الديناميكي يتمايز من فرد لآخر .
ويعرف “كاتل” Cattell الشخصية على أنها لذك الشيء الذي يمكننا من أن نتنبأ بسلوك الفرد في موقف معين . وتتألف الشخصية من عناصر عديدة منها : العناصر الديناميكية ، كالدوافع المختلفة للسلوك ؛ والسمات المزاجية ، وهي السمات التي تميز إستجابات الفرد في المواقف المتعددة ؛ وأخيراً القدرات العقلية وهي التي تحدد قدرة الفرد على القيام بأداء عمل ما ، وتتمثل في الذكاء والمهارات والقدرات الخاصة . وواضح من هذا التعريف الصلة القوية التي يربطها “كاتل” بين الشخصية والسلوك حيث أعتبر الشخصية دالة السلوك الإنساني.
كاتل ..
كما أستطاع كاتل أن يحدد أبعاد الشخصية في ثلاث نواحي رئيسية : الموجهات الديناميكية (الإتجاهات والحاجات) ، السمات المزاجية (الإتزان الإنفعالي والتوتر) ، والقدرات العقلية (الإستجابات المعرفية) .
أما “آيزنك” Eysenck فإنه يرى الشخصية على أنها مجموعة السلوك الطاقي والفعلي للإنسان كما تحدده البيئة والوراثة . حيث تنمو وتتكامل من خلال التفاعل الوظيفي Fonctionnel الذي يحدث بين أربع إتجاهات تنظيم السلوك ، وهي : الإتجاه المعرفي والإتجاه الفسيولوجي والإتجاه العاطفي والإتجاه النزوعي .
ومن أهم تعريفات الشخصية وأشهرها تعريف “البورت” Allport . فهو يعرف الشخصية على أنها “ذلك التنظيم الديناميكي داخل الفرد وقوامه النواحي النفسية والجسمية الذي يحدد الطريقة التي يتكيف بها الفرد مع عناصر بيئته ” .
التعريف .
هذا التعريف يعني أن الفرد لديه بناء داخلي ومدى من الخصئص يتغير ولكنه ثابت نسبياً . ويمكن تحليل هذا التعريف على النحو التالي :
1- تنظيم داخلي : يعني أن هذا التنظيم ثابت إلى حد ما ، ولكنه في الوقت نفسه قابل للتغير نتيجة التفاعل بين مختلف العوامل الشخصية والإجتماعية والمادية . وهذا لا يستبعد ما يطرأ على الشخصية عند فقدان التنظيم من إنحلال أو تفكك ، خاصة في حالات الإنحراف والشذوذ ، كما يأخذ ، هذا التعريف ، في إعتباره أيضاً التغيرات الديناميكية التي تتم داخل الفرد .
2- التكوينات النفسية – الجسمية : أي أن الشخصية تكوين عام يندرج تحته ما يتميز به الفرد من عادات وإتجاهات وإنفعالات وإستعدادات وقيم ، كما أن الشخصية تعني التداخل العضوي والنفسي معاً .
3- أساليب التكيف الخاصة بالفرد : بمعنى أن للشخصية إستعداد يحدد إستجابة الفرد لمختلف المثيرات التي تحيط به . وأن أساليب التكيف خاصة بالفرد وتميزه عن غيره من الأفراد .
أن مثل هذا التعريف يؤكد التوافق الوظيفي التطوري للفرد مع بيئته ، وهو توافق إيجابي فعال مع البيئة الطبيعية والبيئة السيكولوجية . وبناء على ذلك ، فإنه يمكن قياس الشخصية إعتماداً على نوع وكمية القدرة التي يمتلكها الفرد ليجذب إنتباه أعضاء المجتمع الذي يعيش فيه ليحدث التفاعل الإجتماعي بينه وبينهم .
وبناء علية .
وبناء على التعريفات السابقة ، يمكن أن نستنتج أن الشخصية تنمو وتتكامل من خلال تفاعل الفرد مع بيئة تتصف بالديناميكية والتطور المستمر . وهذه البيئة تسبب للفرد الإشباع كما تسبب له الإحباط ، وبالتالي فإن البيئة تتحكم إلى حد كبير في نتاج هذا التفاعل بينها وبين الفرد .
وقد أوضحت مدرسة التحليل النفسي أن هناك تنظيم بنائي قد نشأ خلال سنوات حياة الفرد ، وتتطور من خلال التفاعل مع الآخرين بحيث أصبح يحتوي على الميول والإتجاهات الواعية وكذلك على الميكانيزمات اللاواعية . هذا التنظيم البنائي يحدد سلوك الفرد ويؤثر في شخصيته .
3- المفهوم الجدلي :
أن المقدمات التي يبني عليها المنهج الجدلي تحليله هي مباديء الحركة المستمرة والتغير الدائم الذي يتسم جميع الظاهرات الطبيعية والبيولوجية والإجتماعية والفكرية : أن كل الأشياء خاضعة للتغير الدائم ، الذي يتولد جزئياً من داخل الأشياء نفسها وجزئياً من الظروف الموضوعية . وهذا ينطبق على المجتمع والإنسان كذلك ، من حيث أن المجتمع وحده كلية إجتماعية – إقتصادية مترابطة في حركة مستمرة وتطور دائم ، يحتل فيه نشاط الإنسان في علاقته بالإنسان مركزاً جوهرياً .
أن نقطة البدء في الفهم الجدلي هي تلك الوحدة الديناميكية بين المجتمع والإنسان . فالمجتمع هو عبارة عن سيرورة تاريخية تحكمها قوانين موضوعية . وهذه السيرورة تبني على نمو العلاقات الإقتصادية التي تتضمن علاقات الإنتاج والعلاقات التي تنشأ بين الناس أثناء عملية الإنتاج معاً . وهذه العلاقات الموضوعية تكون الشكل النوعي لوجود الإنسان وتطوره . “أن الناس ، أثناء الإنتاج الإجتماعي لحياتهم ، يقيمون فيما بينهم علاقات معينة ضرورية ، مستقلة عن إرادتهم .. أن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الإجتماعي والسياسي والفكري. بصورة عامة ” إذن المجتمع هو نتاج تاريخي للتفاعل الإجتماعي بين الناس. . وأن الذي يدفع بالإنسان إلى الدخول في تفاعل إجتماعي. مع الناس الآخرين هي الحاجة لتلبية متطلباته وحفظ حياته. ، أي أن علاقات الإنتاج هي التي تدفعه إلى ذلك .
الانسان .
فالإنسان عبارة عن مجموعة العلاقات الإجتماعية ، وهو يتأثر ويتغير بتغير هذه العلاقات . إلاّ أن العلاقات الإجتماعية تتغير هي أيضاً بفعل النشاط الحيوي للإنسان. ” وعلى هذا فإن الظروف تصنع البشر بقدر ما أن البشر يصنعون الظروف”.
هذا التحديد الجديد لجوهر الشخصية بكونها مجموعة العلاقات الإجتماعية ، تتأثر وتؤثر بالمجتمع، يزيل التعارض القائم ما بين المجتمع والإنسان . فالإنسان كائن طبيعي إجتماعي ، يكمن جوهره في العمل الإجتماعي .
أن التحليل المادي الجدلي للحياة الإجتماعية. وتطور المجتمع وتطور الإنسان بوصفه عضواً فعالاً في المجتمع. يمكننا من التعرف على محتمات تكون الفرد ككائن إجتماعي. وبالتالي كشف القوانين الموضوعية التي تحكم هذه العملية والتي تشكل النشاط النفسي وبناء الشخصية .
اتفاق العلماء .
وعلى الرغم من كل التعاريف عن الشخصية وجوهرها الإجتماعي. يتفق كثير من علماء النفس على التأثير البيولوجي أو التأثير الإجتماعي على النشاط النفسي للإنسان وسلوكه الإجتماعي. وبالتالي على بناء شخصيته. فهم يفسرون عملية التفاعل بين الفرد والمجتمع. مع الوجهة التالية وهي :
“أن البيئة الإجتماعية تستثير من خلال التفاعل الإجتماعي رد فعل خاص في الفرد المدرك الذي يقوم بدوره. إعتماداً على خصائصه الذاتية الفسيولوجية أو السيكولوجية ، برفض الإشارات أو تقبلها وتمثلها. وبهذا ينمي أو يبقي على سمات شخصية يعبر عنها في شكل معين من السلوك الإجتماعي. ونتيجة لذلك فإن عملية الشعور الإنساني هذه تكون مقصورة على المعرفة. التي تعتبر نشاطاً يعيد به الشخص تنظيم سلوكه أو حياته “. ومعنى ذلك ، أن مرجع السلوك يكون في إستجابة الفرد لتنبيهات معينة تستقبل من العالم الخارجي. أو للدوافع والغرائز التي تحددها الطبيعة البيولوجية للإنسان. بينما يستبعد الجانب الشعوري لهذا السلوك القائم على التفاعل الإيجابي مع العالم المادي الموضوعي .
النشاط النفسى
“فالنشاط النفسي ليس نتيجة عمليات بيولوجية وفسيولوجية. تحدث بفعل التأثير الآلي للبيئة الخارجية ، ولكنه وحدة عفوية للأحوال الداخلية والمؤثرات الخارجية (الإجتماعية). فهو نشاط المخ الإنساني ، وفي نفس الوقت إنعكاس أو إدراك للعالم. كواقع موضوعي ، أي أنه نتاج جانبين مرتبطين لعملية واحدة. وهما جانبان يمثلان الإرتباط بين النشاط النفسي والمخ ونشاطه الذي يعكس العالم الموضوعي” . أن النشاط النفسي للإنسان وشعوره يتحددان بخصائصه الفردية من جهة ، وبعلاقاته الإجتماعية التي يقيمها مع الآخرين من جهة أخرى . والإنسان نفسه هو مجموع هذه العلاقات وكذلك إنعكاس لها . فالمفهوم الجدلي إذ يعرف الإنسان بأنه كائن إجتماعي يأخذ في الإعتبار مظاهره البيولوجية ومظاهره الإجتماعية . فالإنسان ليس عبارة عن وحدة منعزلة. مغلقة على ذاتها ، بل هو كائن طبيعي إنساني ، يكمن أساسه في جملة العلاقات الإجتماعية. وهو جملة الدلالات والقيم والأدوار التي يتخذها في علاقاته مع الآخرين ويتفاعل معهم . وعملية التفاعل هذه عملية تاريخية متطورة. وأن كل علاقة ليست منفصلة عن الإطار الإجتماعي الذي تقوم فيه ، بل هي مرتبطة بغيرها من العلاقات . ومن هنا يمكن القول أن الإنسان هو “ابن زمانه ومجتمعه وطبقته . وأن جوهر الشخصية يتحدد ويتضح بالمجتمع الذي تعيش فيه ” .
ولهذا …
ولهذا فإن ظروف الحياة المادية ، وأشكال العلاقات الإجتماعية في البناء الإجتماعي تؤثر تأثيراً حاسماً على سيكولوجية الناس وسلوكهم الإجتماعي. كما تحدد هذه الظروف وتلك العلاقات مشاعر الناس وأفكارهم وإتجاهاتهم . ومن ثم ، فإن الخصائص والعمليات والحالات النفسية تتوقف على شروط حياة الناس وأشكالها . ولذلك ، فإن الإختلافات بين الأفراد ليست بيولوجية أو سيكولوجية ، بل هي تاريخية إجتماعية . وبما أن الخصائص النفسية ومكونات الشخصية محددة بشروط الحياة المادية وأشكال العلاقات الإجتماعية القائمة ، فإن تبديل هذه الشروط وتغييرها سينعكس أيضاً على تبديل وتغيير العالم الداخلي – النفسي للإنسان . أي أن تغيرات البنى النفسية والأفعال والسلوك محددة بتغيرات في بنية النظام الإجتماعي .

المفهوم السيكولوجى – المفهوم السيكولوجى – المفهوم السيكولوجى – المفهوم السيكولوجى – المفهوم السيكولوجى