ماهو مفهوم الشخصية ؟ ….. تعتبر الشخصية من أهم الموضوعات التي تعالجها من جوانبها المختلفة فروع علم النفس . فهي المحور الذي تدور حوله البحوث المختلفة في هذه الميادين ، بهدف الكشف عن فاعلية الفرد وشروط تحقيق هذه الفاعلية ، والفهم العميق للسلوك الإنساني، وذلك للوصول إلى القوانين التي تخضع لها الظواهر النفسية المختلفة .
معنى الشخصية
فالشخصية ، من حيث معناها ، ومن حيث أنها المصدر الرئيسي لمعظم الظواهر الإنسانية يعالجها علم النفس العام ، وفي نموها وتطورها يعالجها علم النفس التكويني ، وعلم نفس الطفل ، وعلم النفس التربوي . ومن حيث تفاعلها مع البيئة الإجتماعية يعالجها علم النفس الإجتماعي ، من خلال توافقها وتكيفها مع المجتمع يعالجها علم الصحة النفسية . أما من حيث اضطرابها وإنحلالها أو إنحرافها يتناولها بالدراسة علم النفس الفروق الفردية ، ومن حيث الإرتباطات بين العمليات الفسيولوجية والسلوك يدرسها علم النفس الفسيولوجي . كما يتناول علم النفس الصناعي والتربوي والإرشاد النفسي توجيه الشخصية نحو التكيف والإستقرار .
ويعتبر مفهوم الشهصية من أكثر مفاهيم علم النفس تعقيداً ، نظراً لأنها تشمل كافة الصفات والخصائص الجسمية والعقلية والوجدانية المتفاعلة مع بعضها البعض داخل الفرد . ولهذا تعددت الآراء، وتباينت المفاهيم في معالجتها لمعنى الشخصية من حيث طبيعتها ، وخصائصها ، وعملياتها وتطورها .
وفيما يلي ، سنتعرض لبعض المفاهيم في تحديد معنى الشخصية ، من الجوانب الفلسفية ، والسيكولوجية ، والإجتماعية .
1- المفهوم الفلسفي :
كان فلاسفة اليونان أول من قام بمحاولات جادة في صياغة آراء عامة عن الشخصية الإنسانية . لكنهم لم يحاولوا إقامة علم مستقل خاص بالنفس ، بقدر ما حاولوا معالجة مواضيع الشخصية تحت اسم الأخلاق والسياسة . وقد بدت لهم الشخصية كقيمة Valeur بصورتين مختلفتين : أولاً ، التعارض بين العقل La Raison والأهواء La Passion ، ثانياً ، التعارض بين الطبيعة La nature والعرف Tradition . ويعتبر العقل قيمة لأنه يمكن الإنسان أن يسمو بنفسه على أهوائه وشهواته ، وعلى الطبيعة الحيوانية. ولم ينظر فلاسفة اليونان إلى النفس بوصفها كيان مستقل عن الجسم : وفي هذا الصدد ، تحدث “أرسطو” عن النفس كصورة للجسم ، وهي بالتالي لا تنفصل عنه . ولكنه ميَّز بين جوانب مختلفة من النفس L Ame . كانت هناك النفس العاقلة . وتشتمل على ملكتي التفكير والإرادة . وكان التفكير هو الملكة التي تبلغ إلى الحقائق الضرورية من الناحية المنطقية ؛ وكانت الإرادة هي الإرادة الحرة التي لا تحكمها الرغبة . وهنالك النفس النباتية التي تحكم العمليات اللاإرادية للجسم . والنفس الحاسمة التي يرجع إليها الإحساس والإدراك والتصور والوجدان والرغبة . ولقد وضعت هذه الجوانب إستجابة لحاجة الفلسفة أكثر منها لمقتضيات التأمل الباطني .
أفلاطون
وعند “أفلاطون” ، فإن عمل العقل ينحصر ، كسائق ماهر ، في كبح الحصانين المنطلقين : الشهوة والطموح . وهذا يعني تحقيق الخلق الكامل لإخضاع الهوى للقانون الأخلاقي وسيطرة الروح على الجسم. فعند الفيلسوف الحق تخضع الروح النباتية والروح الحاسة للروح العاقلة .
والمعارضة الثانية التي أقامها الفكر اليوناني كانت ما بين الطبيعة والعرف . وهذا هو التعارض ما بين الإنسان بطبيعته الأصيلة والإنسان كما شكله المجتمع . وهذا الرأي وجد في أعمال “سقراط” و”السفسطائيون”. فقد كان هّم السُّفسطائيين إثارة الشك في كل شيء ، وأن يكشفوا عن أن أكثر المعتقدات رسوخاً قد نتجت من فعل الناس ، وليست عن الطبيعة ، ولهذا فإن كل شيء مما ننظر إليه بحسبانه مؤكداً ينبغي أن يوضح موضع الشك . ولهذا فهم لا ينقطعون عن التساؤل ما إن كان هذا العرف أو ذاك ، مما كان ينظر إليه من قبل على أنه تعبير عن الطبيعة البشرية ، ليس في الواقع غير مجرد إصطلاح أتفق الناس عليه .
المدرسة الكلبية
أما فلاسفة المدرسة الكلبية Cynisme فقد أولوا الأهمية الأولى للنزعة الفردية وتجاهل قيود العرف. فالكلبيون كانوا ينبحون على الرذيلة كما ينبح الكلب الحارس عند الخطر .
وكانوت يشترطون للإنضمام لزمرتهم أن ينزل المريد عن مكانته الإجتماعية . فلقد بدت الفردية عندهم أكثر السبل ملاءمة للحياة . لقد كانت قيمة المسؤولية في نظر الإغريق تتجلى في الإكتفاء الذاتي ، من سيطرة العقل على البدن ، وتحرر الفرد من العرف .
وبظهور المسيحية أستمرت النزعة الفردية Individualisme ، ولكنها أكتسبت دلالة جديدة . فلم يعد الهدف الإكتفاء الذاتي ، وإنما الخضوع التام للإله – وكان هذا الإله شخصاً يمتزج بعمق في الزمن والتغير . فالتاريخ عند المسيحيين له دلالة غائية Tژlژologie : فالجنة ، والسقوط ، ومجيء المسيح ، والعودة ، كلها مراحل في سيرورة Processus تاريخية واحدة . وكل حياة فردية تكتسب دلالتها من الدراما الكونية المتعلقة بالخلاص Salut . وكان رسم الحياة سبيلاً لمشاهدة حكم الله ، وحياة القديس مليئة بالصعود والهبوط ، في نضال متصل بالقلق . وكان الإنسان يتصور نفسه في تبعية تامة ، معرضاً للغواية والسقوط . ولقد أضفت الفلسفات المسيحية دلالة جديدة على تاريخ الحياة من حيث هي دراسة كونية لدلالة التاريخ ككل . وجاءت مؤلفات القديس أوغسطين تعرض دراما الفداء في مستوى الحياة الفردية وتاريخ البشرية كلها : حيث تكتسب كل روح عند خلقها خطيئة آدم ، وهذه الخطيئة يفتقر لها بفضل نعمة خاصة . ومن أثر الخطيئة الأصلية ظهرت الحاجة إلى نظام مستقر للكنيسة والدولة يحفظ الإنسان من أن يضل السبيل . وأن الدور الإجتماعي هو الدعامة الذي يحمي الإنسان من نفسه ، كما يحميه من رعب الفراغ الخارجي . والروح بحاجة إلى أنظمة إجتماعية ثابتة لتحقيق خلاصها . فهي تقضي فترة حالة في الجسد ، وعلى أساس أعمالها فيه تؤهل للفردوس أو الجحيم.
الخطيئة الاصلية
ان الخطيئة الأصلية ، التي يمكن إزالتها أو التخفيف من تأثيرها ضمن المسيحية من خلال تضحية شخصية ، تضع أمام الإنسان ، من وجهة نظر الديانة الإسلامية ، مهمات دنيوية ملموسة من أجل تجاوزها . فالتأكيد على الفرد في المسيحية وإبراز لدوره يسهم في عملية إغتراب هذا الفرد تلقاء واقعه الموضوعي . هذه الذاتية السلبية تكمن مهمتها في تخليص الإنسان الفرد من العالم التعيس ، أي في إخضاعها مع هذا العالم . أما بالنسبة للإسلام ، فليس العذاب هو طريق الخلاص ، وإنما النضالية الدنيوية هي محتوى الخلاص . فالخلاص هنا يؤكد على الإنسان الشخص الإعتيادي . أي التأكيد على إمكانية تحقيق مطالب الإنسان خلال حياته دون شرط الإتحاد بالإله ، بينما في المسيحية يبرز هذا الرط من خلال إتحاد “الابن” و”الاب” وتكوينهما “الروح القدس” .
لقد عرفت العصور الوسطى سبيلين بهما يمكن رؤية الشخص في دوره : سبيل الناسك الذي ينسحب من المجتمع بحثاً عن خلاص روحه بالعبادة والمغفرة . وسبيل الذين يعملون في المجتمع للتوفيق بين مطلب النظرية الدينية وواقع الحياة .
عصر النهضة
وفي عصر النهضة ، القرن الخامس عشر ، بلغ إزدهار الفردية أقصى حدوده . فقد بدأت القيود الإقتصادية في الإنحلال ، وأخذ الناس ينصرفون عن القيود المحددة للأسعار والإنتاج والمنافسة . وأنفتح الطريق أمام الرجل القوي ليتقدم . فقد ألقى بالقيود الخلقية مع القيود الإقتصادية ، وأصبح التمجيد للقوة والدهاء في ذاتهما . وقد أنتشر في خلال القرن السادس عشر النموذج الميكافيلي Le Machiavelisme . حيث كانت دعوة مفكري البرجوازية الصاعدة إلى التطوير المتعدد الجوانب للشخصية محدودة تاريخياً ، ذلك أن التطور المتناسق كان في ذلك الحين ممكناً فقط بالنسبة لأشخاص معدودين. ومنذ تلك الأيام تكشفت الثقافة البرجوازية عن إحدى سماتها الرئيسية – الفردية .
وقد أقام المؤلفون المسرحيون كثيراً من مآسيهم حول الخوف من قوة الغرائز . فالحوافز الغريزية المتسلطة التي تجرف صاحبها إلى الدمار هي موضوعات شكسبير في رواياته “ماكبث ، وأنطونيو وكليوباطره” . وكان شكسبير يميل إلى عزل الشخصية ، وإبعادها عن دعاماتها المألوفة في البيئة الإجتماعية ، وإلى أن يتأمل الرجل الواقعي ينبثق من وراء القناع الإجتماعي .
وأحياناً ما تنعزل الشخصية بإفلاتها من الملاحظة الإجتماعية ، وفي حالات أخرى يعزل الشخص بتحريره من القيود المألوفة ، ومنحه سلطة مطلقة ، إذ تنطلق الغرائز الخسيسة حين يتحرر الفرد من الضبط الإجتماعي .
لقد نظر عصر النهضة إلى الشخصية على أنها صورة مطلقة لتحقيق الذات ، وعلى أنها قيمة في ذاتها ، ولم يكن رجال عصر النهضة في حاجة إلى تفسير للشخصية ، فقد كانوا يحفلون بالواقع أكثر مما يهتمون بالسبب . فقد نعموا بما وصلوا إليه من حرية عقلية . إذ كانوا يعرون بأن أي تفسير منهجي للشخصية سيحد من حرية الإرادة . ومنذ نهاية القرن السادس عشر تزايد الإهتمام بالشخصية . وبدأ الإتجاه نحو الوصف المنهجي للدوافع الإنسانية . فقد نظر جاليليو وديكارت إلى النظام العام للطبيعة ، بحسبانه جهازاً من القوانين المطلقة العلمية ، وهذا ما يدعمه أعمال نيوتن .
قوانين الميكانيكا
ولقد شجعت شرعية قوانين الميكانيكا الناس على أن يبحثوا عن قوانين مماثلة للطبيعة البشرية . وخلال القرن الثامن عشر ظهرت الأشكال المختلفة للنظرية الأخلاقية . وبدأت نظريات اللذة والألم تظهر عند هوبزوبنتام ومدرسة الأفعال المنعكسة. وهنا وجد رجال الإقتصاد وفلاسفة السياسة علم نفس اللذة والألم كافياً بالنسبة إلى حاجاتهم ، فطوروا نظرية الرجل الإقتصادي ، الذي كان منطقياً وأنانياً، يتصرف دائماً لمصلحته .
كان علم نفس اللذة والألم مناسباً لتفسير ما يجري في العالم من ظهور “تاجر” القرن الثامن عشر . غير أن التصور الخاص بالقانون الطبيعي إذا ما طبق على الشخصية الإنسانية يمكن أن ينتهي إلى وحدة الإنسان مع الطبيعة . حيث رأى “اسبينوزا” أن حرية الإنسان تكمن في إعترافه بالضرورة (La N essit). فهو ينظر إلى الأهواء على أنها ضعف ينبغي التغلب عليه . والفهم العلمي هو السبيل إلى هذا الهدف.
وهناك آخرون لا ينظرون إلى الضرورة على أنها مبعث السعادة ، وإنما تمثل وجهاً حزيناً . وهم يؤكدون إمكانية الحرية الإنسانية . فالأهواء بالنسبة إليهم تعبير عن ثراء الشخصية الإنسانية . في حين سعت نظريات اللذة والألم إلى طبيعة إنسانية موحدة، بمعنى أنها هي بعينها ، فيختلف الناس تبعاً لأثر الإرتباطات ، يذهب أصحاب المدرسة الحدسية إلى تفارق الناس تبعاً لقوة دوافعهم وإتجاهها . هذه النظرية المتعارضة على الطبيعة البشرية تظهر كأزواج متعارضة من الشخصيات : الرجل الأناني في مواجهة الإندفاعي الطيب . وفي بعض الأحيان تعرض النظريتان كجهازين متعارضين من الدوافع في داخل الشخص الواحد . وكان الرأي الشائع هو أن قوى النظام وحب الذات تسيطر على قوى الإندفاعات ، وأن الذات تحكم الغريزة .
القرن التاسع عشر
وفي القرن التاسع عشر ، بدأ موضوع تطور الفرد يقارب من موضوع التطور L’evolution بصفة عامة . غير أن الطبيعة قد فقدت في إطار التطور سحرها الأول . وغدت الطبيعة قاسية في صميمها ، وهي الطبيعة الحيوانية في الإنسان التي ينبغي صقلها . ولقد أعان التقدم الحديث ، في الفسيولوجيا، العلماء ، وجاء التحليل الفرويدي يقدم النظريات الثرية في تحليل الشخصية . لقد كشف فرويد لعلماء النفس عن عدد كبير من المشاكل ذات الأهمية النظرية البالغة ؛ وقام بصياغة نظرية عامة في أصل الشخصية ونموها .
سنتوقف عند هذا الحد لنكمل فى الدرس التالى المفهوم السيكولوجة .

مفهوم الشخصية – مفهوم الشخصية – مفهوم الشخصية – مفهوم الشخصية – مفهوم الشخصية – مفهوم الشخصية