تتنوع المفاهيم الشائعة عن الشخصية تنوعاً شديداً وتختلف النظريات فيما بينها إختلافاً كبيراً سواء في المصطلحات أو المعاني . وعلى الرغم من هذه الإختلافات فهي تلقي الضوء على أبعاد الشخصية المختلفة . وسنحاول أن نستعرض أهم هذه الإتجاهات أو النظريات في دراسة الشخصية ، والمحاولات التي بذلت في سبيلها .
فهناك أجهزة تصف الشخصية عن طريق السمات الأساسية (سمات مشتركة ، وأنماط ، وتستند إلى عمليات فسيولوجية وعمليات إدراكية وأسلوب المعيشة .. ). وأجهزة تصف الشخصية عن طريق القوى الخارجية المؤثرة (وتستند إلى العادة والترابط والدور الإجتماعي والثقافة ..). وأجهزة تصف التفاعل بين الشخص والبيئة (وتستند على الدوافع الأساسية ، والإنفعالات ، والديناميكية النفسية.. )
إذن هناك ثلاثة مجموعات :
1) السمات الأساسية .
2) ضغط البيئة على الشخص .
3) التفاعل بين الشخص والبيئة .
السمات .
1- مفهوم السمات : إن السمة هي صفة للشخص تتضمن بعض الوحدة في سلوكه . فهي ليست عارضة ، ولكنها نمط تتميز بالإستمرار النسبي . إنها صفة للشخص ككل . كما أنها تتضمن معياراً إجتماعياً . حين نقول هذا الشخص عدواني ، وقور الخ..
إن سيكلوجية السمات تميل إلى تأكيد ما يتحدد عن طريق بيولوجي وما هو فطري وما لا يتأثر نسبياً بالبيئة .
2- أثر القوى الخارجية : وهي تنقسم إلى قسمين:
1- الحتمية البيولوجية .
2- والحتمية الإجتماعية .
فحين نصف شخصاً ما عن طريق الترابط ، والعادة ، والتشريط ، فإن الشخص يمكن أن يتطور بفعل المؤثرات الخارجية المختلفة ، وهذا ما يعبر عنه بالإستجابة الشرطية (أي العلاقة بين المنبه ودلالته) . وإلى جانب النظرية البيولوجية قامت أيضاً الحتمية الإجتماعية أو الثقافية ، حيث أكدت أهمية تناقل المعتقدات والعادات . وامتدت هذه النظرية إلى تفسير السمات الرئيسية للشخصية في ضوء المؤثرات الثقافية . بإعتبار أن الإنسان وليد الظروف إلى حد أن معتقداته وأخلاقه وأفعاله تعتبر منسوبة إلى الوسط الإجتماعي .
3- التفاعل بين الشخص والبيئة : فالفرد ليس ككائن قائم بذاته لا يتغير ، وإنما كنتاج لتفاعل مستمر. انه يتأثر بالبيئة وعواملها ، كما أنه يؤثر فيها بشكل فعال . تحاول هذه النظرية تحديد العوامل والخصائص والصفات الأساسية التي تشتمل الدوافع والحاجات والغرائز والحيل اللاشعورية أو الدفاعية، وغيرها من العوامل الديناميكية التي تصف الفرد في تفاعله مع البيئة المحيطة به .
ان الشخصية لا تقتصر على الكيفية الإستجابية ، أي كيف يتأثر الفرد بالعوامل الإجتماعية التي تحيط به وتؤثر فيه ، بل تشمل أيضاً كيفيته الفاعلية ، أي كيف يؤثر بدوره في محيطه الإجتماعي . ولذلك فمن الحال فصل الشخصية الذاتية عن الشخصية الموضوعية ، لأنه إذا كان الجانب الذاتي مركز نشاط فلابد من إنعكاس هذا النشاط وتفاعله مع النشاط الصادر عن الأفراد الآخرين .
النظريات الحديثة
والنظريات الحديثة لنماذج الشخصية كثيرة . فمنها ما يقوم على أساس فسيولوجي كإعتبار عمليتي البناء والهدم أو حالة الجهاز الهرموني وتسلط إفرازات بعض الغدد على غيرها . ومنها ما يعتبر الصفات السيكولوجية بالنسبة إلى نواحي الحياة النفسية. ومنها ما يقوم على إعتبار الكيفية الإستجابية للفرد . ومن الطرق التي لجأت إليها بعض الإتجاهات في دراسة الشخصية هو إتجاه السمة وإتجاه النمط . ويرتبط هذين الإتجاهين في النظر إلى الشخصية إرتباطاً منطقياً . وسنتناول الأسس التي يقوم عليها كلا الإتجاهين في دراسة الشخصية .
1- نظرية السمات : Thorie de Traits
اتجه علماء النفس إلى الإهتمام بدراسة سمات الشخصية. تلك السمات التي تميز الفرد عن غيره. فالسمة بالمعنى العام هي أي خاصية أو صفة فطرية أو مكتسبة تميز الفرد عن غيره من الناس . فالأفراد يختلفون في سماتهم الجسمية والعقلية والمزاجية والخلقية والإجتماعية . ولهذا فالحكم على شخصية الفرد يستلزم مراعاة ما لديه من المقومات والمميزات. فالسمة هي تلك الصفة التي تمكننا من أن نفرق على أساسها بين فرد وآخر ، أو هي إستعداد عام يطبع سلوك الفرد بطابع خاص وتشكله وتعين نوعه وكيفيته . وقد ظهرت عدة نظريات للسمات تحاول تفسير السلوك الظاهري للفرد على أساس إفتراض وجود هذه الإستعدادات المعينة المسؤولة عن الثبات النسبي الذي يتسم به سلوك الفرد . وتعتبر هذه الإستعدادات أهم مكونات الشخصية ، وهي التي تهيء الفرد للعمل وتحدد أسلوب سلوكه ، والتصرف بشكل معين أثناء تفاعله مع بيئته ومعالجته للمشكلات التي تصادفه .
وتقع سمات الشخصية بين طرفين من الخصائص الخارجية (وهي المظاهر الموضوعية للسلوك التي يمكن ملاحظتها) ، والداخلية (وهي الأحداث السيكولوجية كالدوافع والرغبات والمشاعر).
علماء النفس
ولقد أعتبر علماء النفس ، ومنهم كاتل ، السمات السلوكية – أي تلك التي تكون على مستوى الفعل أو السلوك الظاهري – “بالسمات السطحية” ، يقابلها في الطرف الآخر خصائص عميقة لا يمكن ملاحظتها كالدوافع الكامنة والتي يطلق عليها “السمات الداخلية” أو الأساسية . وهذه السمات الأساسية هي المصادر الأولية التي تتفرع عنها السمات السطحية. فهي العناصر الأساسية التي تعبر عن المكونات الأساسية للشخصية .
ويمكن تصنيف السمات أيضاً وفقاً لمحتواها . ويستند هذا التصنيف إلى نوع الخصائص السلوكية التي تنضوي تحت كل سمة : فهناك سمات القدرة كالذكاء العام مثلاً . والسمات الديناميكية التي تختص بالأنماط الدافعية الداخلية والخصائص المنتظمة للشخصية . والسمات المزاجية ، وهي تختص بالطريق التي يعمل بها الفرد في نطاق قدراته ودوافعه .
وفي ضوء هذا التحديد ، يمكن أن تجمع خصائص السمة على أساس صفاتها التي تميل إلى أن تتواجد مع بعضها في نفس الفرد . ويستخدم الباحثون لتحديد أبعاد الشخصية عدداً من الطرق منها طريقة التحليل العاملي Analyse Factorielle التي تحاول فهم الشخصية وذلك بالكشف عن أقل عدد من السمات البسيطة أو العوامل الأساسية التي تتألف منها شخصية الفرد .
ويقوم التحليل العاملي على مفهوم الإرتباط Correlation ، فقد ترتبط سمة معينة إرتباطاً إيجابياً مع سمة أخرى . وهذا الترابط يعبر عنه بمفهوم معامل الإرتباط ، وذلك لمعرفة مدى تداخل السمات أو أستقلالها .
1- تصنيف كاتل Cattell للسمات : يصنف كاتل السمات كالتالي :
1- القدرات أو السمات المعرفية . إما كإمكانيات ترجع إلى التكوين الجسماني ، وإما كأعمال أو مهارات.
2- سمات مزاجية . وتشمل التهيج ، والإنفعال ، وسرعة الإستجابة ، والحساسية ، والمثابرة ، والإندفاع .
3- سمات ديناميكية ، نزوعية أو متصلة بالدوافع: وهي من ناحية التكوين الجسماني تعد إستعداداً ، أو حاجات ، بينما تصبح في إطارها البيئي عواطف وإتجاهاً وعقداً .
2- تصنيف ألبورت للسمات :
أما ألبورت فيصف السمات على الوجه الآتي :
1- سمات واقعية : وتشير إلى الميول العامة والخاصة ، وإلى الطرائق الثابتة المتعلقة بتكييف الفرد مع بيئته ، كأن يكون عدوانياً أو إنطوائياً أو إجتماعياً .
2- مصطلحات تصف النشاط الحاضر ، والحالات العقلية العارضة ، والحالة المزاجية مثل الإبتهاج ، الإرتباط .
3- أحكام القيم ، وتشير إلى أثر بعض السمات على الغير .
* نقد نظرية السمات :
ان تحليل الشخصية إلى سمات هو نوع من التجريد يفكك الشخصية ويفقدها وحدتها التي يتميز بها الفرد . فليست الشخصية مجموعة من السمات أو إستعدادات منعزلة قائمة بذاتها . بل بناء متكامل مع السمات ، يتفاعل مع بعضها البعض وتؤثر بعضها في بعض .
من جهة أخرى ، أن تصنيف الشخصية بهذه الصورة، لا يبين كيف تتضافر هذه السمات أو تتنافر. وبالتالي لا تكشف عن الشخصية في جملتها من حيث هي وحدة متكاملة .
كذلك الدراسة العملية للسمات وقياسها غاية في الصعوبة. حيث أنها تعتمد على أنواع الإختبارات أو الوقائع السلوكية المأخوذة من العينة موضوع الدراسة. وقد تغفل هذه الدراسة بعض السمات الهامة في دراسة الشخصية ، وتفقد بالتالي إعطاء الحكم على الشخصية .
وأخيراً ، فالسمات الشخصية الذاتية ، كالإهتمام والإحتياجات والقدرات ، تؤثر تأثيراً كبيراً في عمل القوانين الإجتماعية الموضوعية بالنسبة للموضوع المعني بالدراسة . وبدون شك ستوجد دائماً إستثناءات فردية بين الأفراد والأنماط الطبقية . إلاّ أن الأنماط الإجتماعية تظل باقية . فالمسألة الأساسية هي النمط الإجتماعي ، وليست مسألة ما يتسم به الأفراد من خواص .
2- نظرية الأنماط : Thorie de Types
تحاول نظرية الأنماط أن تحصر أصناف الشخصية في عدد من الأنماط ، قد يكون تصنيفها هوالعوامل الجسمية أو العقلية أو الإنفعالية أو الخبرات التي مرَّ بها الإنسان .
وقد تعدد تصنيف الأشخاص وفقاً لخصائص معينة يشتركون فيها . من حيث أنه قد تجتمع السمات في مجموعات مع بعضها مما يمكن أن نشير إليها كأنماط . فالأِخاص يشتركون في سمات واسعة مع غيرهم ، ولذلك فهم يتحدون مع بعضهم بإنتمائهم إلى نفس النمط . والنمط هو فئة أو صنف من الأفراد يشتركون في نفس الصفات العامة ، وإن اختلف بعضهم عن بعض في درجة إتسامهم بهذه الصفات . أو هو مجموعة من السمات المترابطة . ويتردد في نظريات علم النفس معان متمايزة لمفهوم النمط كالآتي :
1- الأنماط كسمات ثابتة : فالأنماط تعد بصفة عامة سمات أساسية فطرية أو مكونة في الحياة الباكرة. وعلى ذلك لا تخضع لتغير أساسي . فبينما قد تتغير صفات كثيرة بتغير الظروف ، فإن نمط الشخصية غير قابل للتغير . فالبحث عن الأنماط هو بحث عن العناصر غير المتغيرة في الطبيعة البشرية.
2- الأنماط مستمدة من الترابط بين الأشخاص: فالصلة بين السمة والنمط يمكن فهمهما من حيث أن السمو تنشأ من الإرتباط بين الإختبارات ، وبأن النمط ينشأ من الإرتباط بين الأشخاص . فمثلاً إذا كان الإرتباط عالياً بين شخصية في الإختبارات ، ومنخفضة في نفس هذه الإختبارات ، فإنهما يكونان تابعين لنفس النمط . أما إذا كان هناك إرتباط سلبي بين شخصين ، فإنهما يكونان تابعين لنمطين مختلفين . فالنمط هنا يصبح مجموعة من الأشخاص المترابطين .
3- التصنيف المنهجي : فالأنماط يقصد بها أن تهيء تصنيفاً أساسياً لأنواع الطبيعة البشرية . حيث أن علم الأنماط هو بحث عن النظام والثبات في وصف الشخصية الإنسانية . ولهذا لكي تتقدم السيكولوجية العلمية ينبغي أن يصبح لها جهاز تصنيف ثابت وكامل .
وقد بنيت نظريات الأنماط على المظاهر الخارجية، أو على الأصل الجنسي ، وعلى شكل الجسم ، وعلى العمليات الفسيولوجية المختلفة ، وعلى الميول الإدراكية ، وعلى إختيار أسلوب الحياة.
اول نظرية للانماط
وكانت أول نظرية للأنماط ، هي النظرية القديمة ، للأمزجة الأربعة التي نسبت إلى “هيبوقراط”. حيث ميّز أربعة عناصر رئيسية في الجسم : (الدم والبلغم والمرارة الصفراء والمرارة السوداء) . وعلى تزازن هذه العناصر تتوقف صحة الجسم والعقل. وتتوقف الأمزجة الأربعة على تغلب أحد هذه الأمزجة الأربعة : فتغلب الدم ينتج المزاج (النمط) الدموي ، وفيه يكون الشخص نشطاً سهل الإستثارة وفي الحالات المتطرفة متهوساً . وتغلب البلغم ينتج مزاجاً بلغمياً ، وكان الشخص خاملاً وعديم الإنفعال؛ وفي الحالات المتطرفة منزوياً أو جامداً . وتغلب المرارة الصفراء ينتج المزاج الصفراوي ، وفيه يكون الشخص سريع الإنفعال والغضب . وتغلب المرارة السوداء ينتج المزاج السوداوي ويكون الشخص منطوياً مكتئباً . أما الشخص السوي فعنده إتزان تام بين الأمزجة الأربعة جميعها .
ولقد أجريت محاولات كثيرة لربط نمط الجسم بسمات الشخصية . فالرجال السمناء وصفوا بأنهم اجتماعيون ، متذبذبون في الحالة المزاجية ومستعدون لذبذبات جنون الهوس والإكتئاب . بينما الرجال النحفاء فهم منطوون متعصبون ، يميلون للعزلة ، ومستعدون للفصام وعصاب الوسواس .
كريتشمر
وقد حاول “كريتشمر” Kretchmer إيجاد إرتباط بين الهيئة ونمط الذهان . وبحسب نظرية كريتشمر ، يميل الفصاميون إلى أن يكونوا نحفاء ، وهم منطون على أنفسهم ويعيشون بمعزل عن الواقع . ويميل المتهرسون المكتئبون إلى أن يكونوا سمناء ، وهم يندمجون مع البيئة ، وأمزجتهم سريعة التقلب بين التهيج والإكتئاب .
وإنتهت دراسات “شلدون” Sheldon إلى تصنيف ذي ثلاثة أنماط ، وربط بهذه الأنماط أمزجة بارزة للشخصية : فالغلاظ يظهرون ميلاً للراحة والإسترخاء ، ويعتمدون على الرضا الإجتماعي والتسامح والميل إلى العطف والإحسان . ويغلب عليهم عامة المزاج الحشوي .
أما المتوسطون ، فهم مثبتون لذواتهم ، نشيطون، يميلون إلى المجازفة والسيطرة على المواقف ، ولا يهتمون بإحساسات الأخرين . ويغلب عليهم عامة المزاج البدني .
أما النحاف فمقيدون ، منعزلون ، يخفون مشاعرهم ويكبتون إنفعالاتهم ، وتعوزهم الثقة في النفس والإتزان ، ويتميزون بالتصلب والتوتر الحركي. ويغلب عليهم عادة المزاج الدماغي . أن دراسة شلدون ينقصها الضبط الخارجي الذي أظهرت التجربة ضرورته ، كما تحتاج إلى تقديرات مستقلة وموضوعية .
ومن المحاولات التي أجريت أيضاً تلك التي تعتمد على الأسس النفسية لتصنيف الأنماط : وأشهرها تصنيف “يونغ” Yung حيث قسم الشخصية إلى نمطين رئيسيين وفقاً لما يكون عليه الفرد من إتجاه أساسي موجه نحو الداخل أو نحو الخارج. وهذا ما يعرف عنده بنمطية الإنطواء Introversion والإنباط Extroversion .
1- تصنيف يونغ لأنماط الشخصية :
يفرق يونغ بين نمطين للشخصية هما النمط المنبسط والنمط المنطوي . فبينما أصحاب النمط المنبسط يكون تنظيم أصحاب النمط المنطوي مركزة على الذات ومنغلقة عليها . ولهذا فالطاقة النفسية عند المنبسط تتجه نحو غيره من الأشياء ، وبالتالي يسيطر عليه الميل إلى الحركة والصلات الإجتماعية ، بينما الطاقة النفسية عند المنطوي تجعله يتجه إلى داخل ذاته ، وبالتالي يتميز بميله إلى التفكير والخيال . فبينما نجد الإنطوائيين يضطربون في أعمالهم وأحاديثهم ، نجد الإنبساطيين يحسنون العمل والتحدث ، ويختلف أحد النوعين عن الآخر في أن الأنطوائيين أميل إلى الحذر والحساسية ، على خلاف الإنبساطيين فإنهم أميل إلى الجرأة والتأثر بالواقع .
ويرى يونج أن الناس لا تقتصر على أحد النمطين، بل تجمع بين خصائص كل منهما، وأن التفرقة تقوم على الدرجة تبعاً لميله وتوجهه إلى أحد النمطين .
ولقد وصف يونغ الفصام بأنه شكل متطرف ومرضي للإنطواء . ومن أبرز ظواهر الإضطرابات العقلية لمجموعة عملية الإنطواء، هي إنسحاب الإهتمام من العالم الخارجي ، عالم الحوادث والأشياء والناس الآخرين ، وتركيز الإهتمام من العالم الخارجي ، عالم الخيال والتأمل والمعاني الذاتية. وهذا يتفق مع وصف فرويد للفصام بأنه ذهان نرجسي ، فيه ينسحب حب المريض من الآخرين ويتركز على ذاته . كما ربط يونج تطرف المنبسط المرضي بجنون الهوس والإكتئاب .
2- الوظائف السيكولوجية المكونة للشخصية عند يونغ :
بالإضافة إلى هذا التقسيم الثنائي لأنماط الشخصية ، يرى يونغ أن هناك أربع وظائف سيكولوجية للشخصية هي : التفكير ، والوجدان ، والحس والإلهام أو الحدس . فكل فرد تقوم حياته العقلية بهذه الوظائف الأربع . غير أن إحدى هذه الوظائف تكون أكثر بروزاً لدى الشخص من الوظائف الأخرى . وبذلك يمكن تصنيف الناس ليس فقط وفقاً لنمط الشخصية المنبسطة أو المنطوية ، وإنما أيضاً حسب الوظيفة السيكولوجية الخاصة السائدة فيهم. وذلك كما يلي :
1- النمط الإنبساطي المفكر :
يميل هذا النوع إلى أن يكون عملياً واقعياً . ويميل أصحابه إلى الحقائق الخارجية الموضوعية والإعتماد على التجارب وأخذ النتائج وتطبيقها في الحياة العملية الواقعية .
2- النمط الإنطوائي المفكر :
ويتميز أصحاب هذا النمط بأن أفكارهم تتسم بالطابع النظري والتأمل والتفكير . وهم عادة غير مبالين بالناس ، فهم لا يهتمون بالواقع إلاّ قليلاً ، ولذلك فهم يغرقون في التفكير وإستنباط المعاني . أن هذا النوع فاتر في حياته الإنفعالية ، وقليل الإدراك للعلاقات والمشاعر الإنسانية ، ويميل إلى العزلة والبعد عن إقامة علاقات ودية مع الآخرين .
3- النمط الإنبساطي الوجداني :
يميل أصحاب هذا النوع إلى الإنسجام مع العالم الخارجي ، وإلى تنمية العلاقات الودية مع الآخرين، والمشاركة الوجدانية مع الغير ، وبذلك يحققون نزعاتهم الإجتماعية . وهم يتجهون إلى التعبير الملموس عن حياتهم الإنفعالية وكأنهم يفرغون شحناتهم . ولذلك فهم أقرب إلى الهيجان الإنفعالي في الظاهر ، وأقرب إلى الخمود الإنفعالي في الداخل.
4- النمط الإنطوائي الوجداني :
يميل أصحاب هذا النوع إلى إقامة الإنسجام مع عالمهم الداخلي ، ولذلك يغرقون بأحلامهم ومشاعرهم. ونجد أصحاب هذا النوع ينطوي على حالات وجدانية عنيفة من الحب والكراهية . ومع ذلك فهم غير قادرين على التعبير عن النواحي الوجدانية الشديدة ، وذلك لأنهم لا يتصلون بالناس إتصالاً يمكنهم من أداء هذا التعبير . ولهذا يميلون إلى العزلة ويحبون حياتهم الإنفعالية بمختلف صورها.
5- النمط الإنبساطي الحسي :
تتوقف الحياة النفسية لأصحاب هذا النوع على المؤثرات الحسية . فكلما إزدادت هذه المؤثرات وتنوعت ، استمرت حيويته ونشاطه . وهذا النوع سرعان ما يحدث إليه الملل إذا قلت المؤثرات المحيطة به. وهذا النمط يكون سطحياً في حياته الفكرية والإنفعالية ، ولا يقيم علاقة عميقة في صداقته.
6- النمط الإنطوائي الحسي :
يميل هذا النوع إلى تأمل المحسوسات والإستمتاع بالفنون والمناظر الطبيعية . ويرون في كل ذلك إنعكاساً لحالاتهم النفسية الوجدانية ، وإسقاطاً لمشاعرهم وإنفعالاتهم الداخلية على هذه الأشكال.
7- النمط الإنبساطي الحدسي :
هذا النوع يصل في سرعة إلى فكرة من الأفكار ، ويقوم مباشرة في تنفيذها . ولهذا يتسم أصحاب هذا النمط بالمغامرة وإقتحام مجالات تتميز بالمخاطرة مع الإيمان بنجاح النتيجة .
8- النمط الإنطوائي الحدسي :
لا يهتم أصحاب هذا النوع بالمؤثرات الحسية الخارجية . ويصل هذا النوع إلى أحكامه في شيء من السرعة والعنف ، دون الإعتماد على الأدلة الحسية الواقعية . ولهذا فهو ينساق في إنفعالاته بشدة من الكره أو الحب على أسس واهية ويتخذ منها أحكاماً كلية .
هذه هي التقسيمات التي وضعها يونغ لتصنيف الشخصيات ، والذي كان له الفضل في إثارة البحوث حول هذا الموضوع ، إذ كانت هناك محاولات أخر لإقامة تصنيف لأنماط الشخصية . والفكرة وراء هذه المحاولات ، هي أن الأشكال المرضية وتكشف الطبيعة الحقيقية للأسوياء . وقد بنيت مفاهيم نمطية كثيرة حول العمليات الإدراكية وربطها بإضطرابات الغدد الصماء ، وحاول آخرون أن يستخرجوا مغزى نمطياً لتفضيلات اللون والشكل. وكانت المحاولة هي ربط الإنطواء والفصام بتفضيل الشكل ، وربط الإنبساط والذهان الإنفعالي بتفضيل اللون .
نقد النظريات
ولقد واجهت نظريات الأنماط كثيراً من النقد . فهذه النظريات هي وسيلة للوصف ولكنها لا تفسر بناء الشخصية وعواملها المؤثرة فيها . ولذلك فهي لا تصف بصورة تتفق مع الواقع الذي تتدرج فيه مستويات ودرجات أي ظاهرة من الظواهر . بمعنى آخر ، أن هذه النظريات لا تشير إلى نظرية محددة للشخصية ، بقدر ما تشير إلى طرق النظر إليها . ولذلك فهي تقترح تصنيف الشخصية إلى أنماط محددة.
كما أن هذه النظريات لا تساعد على إمكانية التنبؤ بالسلوك ، بل إنها تؤدي إلى التعرف على خصائص ثابتة داخل الفرد ، بينما الأنماط السلوكية هي في حقيقتها غير ثابتة وتتغير بتغير الظروف المختلفة ، من حيث أن المميزات الشخصية والظروف التي يعيش فيها الفرد تتفاعل مع بعضها البعض وتتغير تبعاً لذلك .
3- أبعاد الشخصية عند أيزنك Eysenck :
من المفاهيم التي شاع أستعمالها في دراسة الشخصية مفهوم البعد Dimension عند أيزنك في دراسة للشخصية دراسة علمية تجريبية . إذ استعمل في دراسته القياس السيكولوجي الموضوعي وأداة التحليل العاملي. ولهذا يرى أيزنك أنه ينبغي في تعريفنا لأي مفهوم أن نعرفه تعريفاً إجرائياً Opژrationnel ، أي تقرير العمليات التجريبية التي تؤدي إلى توضيح أي ظاهرة والكشف عن معناها. أما بالنسبة للتحليل العاملي ، فلا يكفي إثبات صدق الإختبار في الكشف عن الشخصية بتحليل بنوده الداخلية، وإنما لابد أن نثبته بواسطة محك أو معيار خارجي. وقد أعتبر أيزنك أن لكل شخصية أربعة أبعاد رئيسية لوصف بنائها :
ابعاد الشخصية
البعد الأول لأي شخصية يتكون من الانبساط والإنطواء – والبعد الثاني يمتد من النضج الإنفعالي إلى العصابية ، وهي إستعداد الفرد للإصابة بالعصاب وهو المرض النفسي إن تعرض لضغط شديد.
البعد الثالث يمتد من حالية السوية إلى الذهانية، وهي إستعداد الفرد للإصابة بالذهان وهو المرض العقلي – والبعد الرابع هو الذكاء .
وتعتبر هذه الأبعاد كافية للكشف عن معظم النواحي المتباينة في الشخصية . وقد درست العلاقة بين الانبساط والإنطواء من جهة والميل إلى العصاب من جهة أخرى وذلك كالتالي :
1- العصابي المنبسط :
وهو ينتمي إلى فئة الهستيريين ، وتبدو عليه أعراض الهستيريا التحويلية . وهو يحاول التهرب من واجباته ومشكلاته . وهو محدود الإهتمامات ، مضطرب في حياته المهنية ، ويميل إلى توهم الإصابة بالأمراض الجسمية . كما أنه كثير الشكوى من الآلام ، وكثير التعرض لإصابات العمل ، ويميل إلى الكآبة والحزن . ومستوى الذكاء لديه منخفض نسبياً ويعاني من التهتهة ، وتعوزه الدقة في العمل، ويميل إلى المبالغة في قيمة أدائه . كما يميل إلى الألوان الباهرة .
2- العصابي المنطوي :
وهي ينتمي إلى فئة المنهبطين Dystimique وتبدو عليه أعراض الحصر والقلق والإكتئاب والوسواس. وهو سريع التهيج ، غير مكترث بما يدور حوله. وهو خجول ، عصبي يستسلم لأحلام اليقظة ، وقليل المشاركة الإجتماعية . وجهازه العصبي يكون قليل الإستقرار ، مما يؤدي إلى تغيرات فجائية في الحالة المزاجية . وهذا النوع يتميز بالدقة في العمل ، ومستوى طموحه مرتفع ، غير أنه يميل إلى الحطّ من قيمة أدائه . وهو يميل إلى الألوان الهادئة .
أن هذا الوصف يمثل طرفي بعد الإنبساط والإنطواء، وبين هذين الطرفين يتوزع الأفراد حسب درجته . أن أيزنك هنا ، يحاول التأليف بين نظريات الأنماط والسمات . فهو يرى أنه يمكن التدرج من أحد طرفي البعد إلى الطرف المقابل له من جهة ، كما أنه يقلل من عدد العوامل ، وذلك لإختيار العوامل غير المتداخلة من جهة أخرى .
نظام الشخصية
أما من حيث نظام الشخصية ، فهو يرى ، أن الطبقة الدنيا للسلوك تتكون من الإستجابات العادية المتكررة في الحياة اليومية . وبعض هذه الإستجابات تتجمع لتكون مجموعة مستقلة داخل الشخصية . وهذه المجموعة تسمى السمة وهي تمثل شكلاً من أشكال تجمع الميول والنزعات لدى الفرد . كما أن هذه السمات تتجمع في شكل أبنية ، وهذه الأبنية تكون الأنماط . إذن السمة تتكون من مجموعة منظمة من الإستجابات العادية ، والنمط يتكون من مجموعة منظمة من السمات .
ان نظرية الشخصية قد أثارت كثيراً من الجدل ، فالبعض يرى أن لكل إنسان مكاناً محدداً على كل بعد، أما فيما يتعلق بالتغيرات الأساسية يختلف الناس فيما بينهم من ناحية كمية فقط ، فإذا جرى إختبار لقياس الإنبساط والإنطواء للفرد ، وحصل على درجة ما ، فإن ذلك سيظهر أن لديه قدراً محدداً من هذه الصفة . ولابد من الإقرار بوجود بعد من هذا النوع . فإذا لم توجد أبعاد للشخصية ، فلا يمكن تعيين متغيرات أساسية . وفي هذه الحالة ، فإنه يفترض أن هناك سمات عامة ، وأن كل إنسان لديه قدر محدد منها. ولهذا فنظرية الأبعاد مقبولة في تحديدها للشخصية.
ومن جهة أخرى ، فهناك إفتراض يقول أنه يوجد سمات عامة منتظمة للناس ، ولكن نظامها لا يتكون بحسب قواعد ثابتة ، بل بطرق تحددها أحداث الظروف الإجتماعية . ولهذا ينبغي أن يكون وصف الشخصية وصفاً للعلاقات المختلفة بين الفرد والبيئة التي يعيش فيها . أي فهم التفاعل بين الديناميكيات النفسية والعلاقات الإجتماعية التي تحدد بناء الشخصية.
4- نظريات التعلم والظاهراتية في الشخصية :
من بين نظريات الشخصية المتعددة في طرق إدراك بناء الشخصية ، هناك إتجاهان أساسيان : الأول: أن الشخص يستجيب للموقف أو المثير وفقاً لصفاته الموضوعية . أي أن سلوك الفرد هو نتاج للتفاعل بين خصائصه التي يتميز بها والموقف الذي يوجد فيه .
أما الثاني فهو النظر إلى الموقف أو المثير كما يراه الفرد ذاتياً ، أي إدراك الفرد ذاته للموقف . الإتجاه الأول يركز الإهتمام على ميكانيزمات التعلم ، أي كيف يستجيب الفرد إستجابة مناسبة إلى المثيرات التي يتعرض لها . أما الإتجاه الثاني فيركز الإهتمام على إدراك الفرد ومعرفته في الإستجابة للأشياء والمواقف .
1- إتجاه التعلم :
يرى أصحاب نظرية التعلم L’apprentissage أن نمو الشخصية يحدث وفقاً لمباديء التعلم . فهم يهتمون في دراستهم لتحديد الشخصية بالموقف المثير الموضوعي . فالشخصية ، في نظرهم هي العادات المتعلمة التي تتخذ شكل إستجابات تصدر عن الفرد وفقاً لإرتباطات المواقف (المثير) مع بيئته الداخلية والخارجية .
وعلى الرغم من إهتمام الكثير من علماء النفس بدراسة نظرية التعلم وبتقرير مباديء التعلم ، إلاّ أن كتابات “جون دولارد” Dollard و”نيل ميللر” Miller في عام 1950 عن الشخصية تمثل محاولة أكثر قبولاً في تطبيق مباديء التعلم على الشخصية . “فالشخصية في نظرهما تتكون من عادات الإستجابة التي يكتسبها الفرد من إستجابته للمثيرات الموضوعية عن طريق عملية التعلم ” والمبدأ الأساسي هنا هو قيام إرتباط بين المثيرات والإستجابات التي تستثار في وجودها . ولذلك ينصب الإهتمام على المثير الطبيعي الموضوعي بإعتباره الحادثة التي تستثير الإستجابة والتي يمكن تحديدها ، أما وصف الشخص فإنه يتم في ضوء الأنظمة المكتسبة لعادات الإستجابة .
سلوك الفرد
فسلوك الفرد يفهم إذن من خلال متغيرين مستقلين ولكنهما متفاعلان : الفرد والموقف . ويقرر “دولارد وميللر” أن هناك مبادي أساسية ذات أهمية بالغة في عملية التعلم هي : الحافز أو الدافعية ، والمثير ، والإستجابة ، والتدعيم. وهذه المباديء تنطبق على الأسس التي يكتسب بها الفرد خصائص شخصية، وإن خصائص الشخصية يتعلمها الفرد عن طريق هذه المباديء . فالحافز يحث على الإستجابة بطريقة معينة، وحينما تتبع بعض الإستجابات بالتدعيم ، يقوى الترابط بين المثير وبين الإستجابة ، وحينما يتواجد نفس الحافز مع مثيرات متشابهة ، تميل هذه الإستجابة إلى الحدوث . ولذلك يميل تقوية الترابط بين المثير والإستجابة محور التعلم : ذلك أن التعلم يتضمن إكتساب إستجابات نحو مثيرات معينة ، وهذه الإستجابات التي أكتسبت من شأنها أن تدعم الحافز الذي أستدعى الإستجابة في باديء الأمر .
دولارد
وقد تناول “دولارد” و”ميللر” بالدراسة كيفية تعلم الأنماط العصابية للسلوك : أن نمو الأعراض والميكانيزمات العصابية ، في نظرهما ، يرجع إلى تعلم الصراعات اللاشعورية التي تؤدي إلى إكتساب الأنماط اللاتوافقية للسلوك . إذ أن ما يخبره الطفل من تدريبات موجهة إليه من الأهل ، ومن تأثيرات المطالب المتباينة ، قد تؤدي إلى تعرضه للصراع في هذه المرحلة التكوينية الهامة من حياته . فهناك عدد كبير من المواقف المشابهة التي تفرض على نمو الطفل ، والتي قد تؤدي به إلى الصراع . وهذه المواقف هي تلك التي يكتسب فيها الطفل عادات معينة ، خلال عملية التنشئة الإجتماعية .
ويؤدي الصراع إلى الإضطرابات الإنفعالية في الطفل الذي عليه أن يتعلم كيف يستجيب لها . وتميل الصراعات إلى أن تحدث في مواقف تدريبية معينة ، وتصبح الإستجابة تجاهها عاملاً محدداً للأسلوب الذي يعالج به المشكلات التي تقابه في حياته اليومية. فالإضطرابات الإنفعالية هي عملية مكتسبة كرد فعل للصراعات التي يعانيها الفرد ، ولذلك فالعصاب يتعلمه المريض نفسياً : فهو إستجابات متعددة لمثيرات معينة .
وهكذا أن إتجاه التعلم في معالجة موضوع الشخصية هو طريقة معينة في النظر إلى الشخصية ومحاولة فهمها وتفسيرها .
2- إتجاه الظاهراتي :
وعلى نقيض إتجاه التعلم في تناول موضوع الشخصية، فإن هناك إتجاه آخر في دراسة الشخصية يؤكد أهمية تنظيم عوامل الشخصية داخل الفرد .
تذهب النظرية الظاهراتية أو الفينومينولوجية Phژnomenologie إلى أن المحدد الهام للسلوك ليس هو موضوع المثير في حد ذاته ، بل هو فهم إدراك الإنسان له : أي أن الطريقة التي يدرك بها الشخص الأحداث المحيطة به تحدد الكيفية التي يتصرف بها.
ان الفيتومينولوجيين يذهبون إلى أن إدراكنا للأشياء ليس بالضرورة مماثلاً للأشياء ذاتها أو كما هي في الواقع ، أو بخصائصها الموضوعية ، بل هناك عوامل أخرى ذاتية تحدد عملية الإدراك . ومن وجهة النظر هذه ، فإن الأشياء الطبيعية ذاتها لا تحدد إستجابة الفرد ، وإنما الذي يحددها هو الحالة الداخلية للفرد أثناء عملية الإدراك .
وعلى ذلك ، فبدلاً من الإهتمام بالمثير الطبيعي الموضوعي ، فإن النظريات الفينومينولوجية للشخصية تهتم بالعمليات الإدراكية المعرفية كمحددات أساسية للسلوك الإنساني . أضف إلى ذلك ، فهي تعتبر أن السبب الكامن وراء الفعل هو العالم الذي يدركه الفرد ذاتياً ، وهذا العالم يمكن أن يكون مختلفاً كلياً عن الواقع الموضوعي .
ومن أبرز الإتجاهات السائدة في النظرية الفينومينولوجية في الشخصية هي: الإتجاه الذي يشير إلى معارف عن العالم ، وتمثله نظرية المجال عند “كيرت ليفين” ، والإتجاه الذي يدور حول مفهوم الذات ويمثله “كارل روجرز” .
1- نظرية المجال عند ليفين :
تؤكد نظرية المجال النفسي أن “السلوك هو دالة المجال الإجتماعي الحاضر. ولذلك ينبغي أن نحدد السلوك أو “الواقعة” بإعتباره دالة للموقف الكلي المؤقت”. أن ليفين Levin يصف الموقف الذي يستجيب له الفرد من حيث مضمونه الظاهري أي الموقف كما يدركه الفرد ، لا من حيث طبيعة الموقف في حد ذاته . فسلوك الفرد دالة لعالمه السيكولوجي أكثر مما هو دالة للعالم الموضوعي .
فالمثير ، في نظر ليفين ، هو مجال معقد يتضمن حاجات الفرد ، ومكونات شخصية ، وإدراكه لإمكانياته المتاحة للفعل ويتضمن هذا المجال المعقد أو “العالم السيكولوجي” التفاعل المستمر المتبادل بين التنظيم الداخلي للفرد وبين العالم الموضوعي. ويطلق على هذه البيئة السيكولوجية مفهوم “حيز الحياة” التي تحدد مباشرة سلوك الشخص في لحظة معينة .
ويعتبر ليفين أن حيز الحياة ليس مفهوماً ثابتاً ، بل مفهوماً ديناميكياً يتغير بإستمرار كنتيجة للتغيرات الحادثة في حالات التوتر الداخلي للفرد وخبرته ، بالإضافة إلى التغيرات الحادثة في البيئة . ولذلك لكي نفهم سلوك الفرد في موقف ما وفي لحظة معينة، فعلينا أن نصف حيز الحياة (البيئة السيكولوجية) في تلك اللحظة ، لأن البيئة السيكولوجية الكلية قد تتغير فيما بعد . أي أن فهم السلوك الراهن ينبغي أن يقوم أساساً على فهم حيز الحياة الراهنة للفرد ، أو فهم القوى التي تعمل في المجال في لحظة العمل . وهذا يتطلب معرفة الكيفية التي يتصرف بها الفرد ، حتى نتمكن من إستنتاج التنظيم الحالي لحيز الحياة . وقد حاول ليفين أن يشير إلى حيز حياة الفرد بطريقة تخطيطية تتضمن : مناطق الهدف ، والتكافؤات ، والكميات الموجهة ، والحواجز .
ليفين
ويستخدم ليفين مفهوم القوة ليشير إلى النواحي الدافعية للسلوك . فالفرد يختبر “القوى السيكولوجية” بطريقة شعورية كعوامل دافعة نحو هدف معين ، وتستنتج هذه القوى عن طريق الحركات أو التصرفات التي يأتي بها الفرد والتي تتجه نحو الأشياء والمواقف أو بعيداً عنها ، أو عن طريق وجود توترات داخل الفرد .
أما مختلف الأهداف التي توجد في بيئة الفرد والتي تتجه الحركة السيكولوجية نحوها أثناء نشاط الفرد، فيطلق عليها اسم التكافؤات Valences ، وهي تعبر عن درجة جاذبية الهدف (فقد تكون الأهداف إيجابية أو سلبية) ، ويتوقف ذلك على ما إذا كانت الأشياء التي يستجيب لها الفرد مرغوبة أو غير مرغوبة في حيز الحياة . وثمة خاصية أخرى لحيز الحياة هي وجود حواجز كخصائص للموقف البيئي ، يمكن أن تعوق أو تحد من إتجاه الفرد نحو الهدف أو تقف في وجه الحركة السيكولوجية .
وهكذا فإن سلوك الفرد هو نتاج القوى التي تعمل في المجال في لحظة معينة . وأن السلوك الذي يتجه نحو الأهداف هو الذي يتضمن أقوى الأهداف الإيجابية.
وعلى ذلك ، فإذا كان الميل إلى العمل يتضمن كلاً من الأهداف الإيجابية والسلبية ، بمعنى ذلك أنه يرتبط بالصراع . فالصراع يتضمن وجود هدفين متعارضين ، يريد الفرد تحقيق أحدهما .
وهكذا ينظر ليفين إلى الظواهر السيكولوجية على أنها حركة نفسية تتجه نحو أهداف معينة في داخل مناطق محددة في إطار حيز الحياة وأن حدود تحليل السلوك ومجاله ليست هي السمات الثابتة للفرد التي تدفعه للعمل بطرق معينة ، وإنما هو إدراك الفرد الذاتي لبيئته وعلاقته بها . وهذا يتم بطريق ديناميكية تتضمن التفاعل والتبادل المستمر بين مكونات البيئة ومكونات الداخلية .
2- نظرية الذات عند روجرز :
يعتبر روجرز Rogers الذات كجزء متميز من المجال الظاهري ، تتكون من المدركات أو التصورات الشعورية التي يكونها الفرد عن نفسه ، “من هو، وما يكون” في علاقته بالبيئة . وهذا المفهوم للذات Le Soi هو الذي يحدد سلوك الفرد كله . ويستجيب الشخص للمجال الظاهري أو للبيئة الموضوعية بحسب كيفية إدراكه لها . من أجل إشباع حاجاته . ذلك أن معظم السلوك ينتظم حول الجهود التي تبذل لتحقيق ، وتأكيد الذات الظاهرية .
وينظر روجرز إلى مفهوم الذات كمفهوم معقد متغير عن تفاعل الفرد مع البيئة . ولذلك ، يكتشف الفرد من هو من خلال خبراته مع العالم المحيط به. فكل فرد يعيش في عالم متغير من الخبرة المستمرة، ويستجيب للمجال كما يخبره ويدركه . وهذا المجال الإدراكي هو ، بالنسبة للفرد نفسه ، حقيقة . فالفرد لا يستجيب للبيئة الموضوعية ، وإنما للبيئة كما يدركها أو يفهمها بصرف النظر عما تكون عليه هذه الإدراكات. وتحدد هذه الحقيقة الذاتية الكيفية التي يتصرف بها الفرد ، وهو في كل تصرفاته يحاول أن يختبر هذه الحقيقة التي تزوده بمعرفة عن العالم يمكنه الإعتماد عليها ، ومن ثم يستطيع أن يتصرف بطريقة ملاءمة .
كما يذهب روجرز إلى أن الذات تبحث دائماً عن إتساق لها ، فيصرف الشخص بطريقة متسقة مع مفهوم الذات . وتمثل الخبرات غير المتسقة مع مفهوم الذات تهديدات للفرد وقد تؤدي إلى الإضطراب الإنفعالي له ، ونتيجة لذلك يقع الفرد في صراع ويصبح أقل تكيفاً .
عامل الاتساق
وبالإضافة إلى عامل الإتساق ، فإن روجرز يذهب إلى أن مفهوم الذات يمكن أن يتغير كنتيجة للنضج والتعلم . وتتم التغيرات في مفهوم الذات من خلال إعادة تنظيم التصورات التي يدركها الفرد عن ذاته ، بواسطة العلاج النفسي . ومن هنا ، فإن المفاهيم التي تناولها روجرز إنما تعمل على إعادة تركيب المجال الظاهري للشخص من أجل فهم سلوكه والتنبؤ به .
وعلى حين يهتم ليفين بعملية إعادة بناء حيز الحياة للفرد بقواه السيكولوجية المتعددة عن طريق ملاحظة كيف يسلك هذا الفرد في المواقف المختلفة، فإن إعادة تركيب المجال الظاهري للفرد عند روجرز تستند على ما يكون الفرد قادراً على أن يقرره عن ذاته ، وعن مشاعره ، وإتجاهاته ، وأهدافه في ظل الظروف الملائمة للعلاج النفسي، ولذلك، فإن روجرز يستخدم طريقة الإستبطان .

نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية – نظريات الشخصية